رئيس التحرير : مشعل العريفي

قضية فساد

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

في مكتبه الصغير الذي يحتل الركن الأيسر من منزله، حيث يهرب دائما من ضغوط الحياة، إلى تقليب ذكرياته التي تحكيها الصور المعلقة على الجدران الأربعة، وبعض التذكارات العزيزة، ومجموعة ملفات تشي عناوينها بالدقة والنظام، قلب الصفحة الأخيرة، غطى الأوراق بالجزء الأخير من الملف السري، وضع رأسه بين كفيه وارتكزت عيناه على سطح الطاولة اللامع، زفر بملل يحاول تبديد كل السيناريوهات السوداء عن محيطه، وحدّث نفسه: ماذا أفعل؟ ارتفع جفناه إلى الأعلى، شخصا في سقف الحجرة، وطلب الغوث "ربي أرشدني إلى الحق ولا تجعلني
ظالما أو مجحفا في حق أحد".
النشأة الدينية التي شبّ عليها عبد الله بن مساعد بن عبد العزيز تطوق دائما كل تصرفاته، ولذلك حاصره الحديث المرفوع "القضاة ثلاثة، قاضيان في النار، وقاض في الجنة، قاض قضى بغير حق وهو يعلم فذاك في النار، وقاض قضى وهو لا يعلم فأهلك حقوق الناس فذاك في النار، وقاض قضى بحق فذاك في الجنة"، اللوحة الرديئة تتشكل واضحة أمام عينيه، هناك قضية، فساد واضح، ورشا دفعت لتغيير نتيجة مباراة، هناك حق سُلب، ويجب أن يُعاد، وهو في موقع يفرض عليه الوقوف مع الحق، ولا بد مما ليس منه بد، فأحال الأمر برمته إلى القسم القانوني في هيئة الرياضة مع تغذيته بممثل عن لجنة النزاهة المعنية بمتابعة اللعبة ودهاليزها.
.. مع توليه مسؤولياته الحكومية قبل عامين ونصف، عقد عبد الله بن مساعد اجتماعات استكشافية متواصلة، كانت الشكاوى تدور حول التحكيم، فجمع رؤساء الأندية الكبيرة وقال بلغة حازمة: "لدي معلومات واضحة أن هناك ضغوطا تمارس على الحكام، وبعضها من الجالسين الآن، لن أسمح بهذا، سنفرض رقابة صارمة، قبل اتخاذ أي خطوات عملية لا بد من إخباركم، حتى لا أكون كالمتربص بكم"، وزاد: "هذا ملف شائك، لا أعدكم بحسمه في وقت وجيز، وأعدكم بأن يكون في أولوياتي"، ومع تفجر قضية المجزل النادي الصغير أصبح الهاجس المؤرق لرجل الرياضة الأول هو: هل نضرب بحزم لمجرد اكتشافنا هذه القضية؟ وهناك قضايا أخرى لم نقبض على أدلة فيها؟ أم نكتفي بالإنذارات والتعهدات ونبدأ من أول الصفحة؟
أعضاء لجنة التحقيق أوصوا بتهبيط أبناء تمير للثانية، وتصعيد الباطن، خلاف قرارات شطب وغرامات وإيقافات، مستندين على أدلة جلية لا تقبل الشك، أولها اعتراف خطي موقع من رئيس النادي القضية، وتسجيلات لا تقبل الشك، فيما يرى ابن مساعد أن تهبيط الفريق السديراوي إلى الثانية عقوبة مغلظة، في قضية ليست إلا حلقة في دهاليز لم يتم الكشف عن بقية حلقاتها.
الحيرة تحاصر الرجل الأول في الرياضة، فاستدعى القطب الأكبر في القضية، وقال له بوضوح: حتى لا أظلم أحدا ساعدني، أمامك خياران، إما تكتب الآن أنك لم تفعل شيئا ولم ترش أحدا وعندها غادر من هنا بسلام وسأحيل الملف بكامله للتحقيق في جهات جنائية خارج الرياضة لإبراء ذمتي، وإما أن تكتب اعترافك ونكتفي بغرامتك ووقفك دون شطب مع عقوبات النادي المستحقة، فاختار الرجل الخيار الأول، ولاحقا تغير غير حديثه المنطوق عن المكتوب فتغيرت العقوبة.
في فترة التحقيقات، كان رئيس هيئة الرياضة يدفع باتجاه إعادة المجزل للأولى وتصعيد الباطن، فيما ترى اللجنة أن ذلك لن يمثل ردعا في المستقبل، وقد يفكر أحدهم بتكرار ما حصل، إن مرت بسلام نجا، وإن كُشف فلم يخسر كثيرا وسيعود لنقطة التوقف لا البداية، وفي الأخير انتصرت اللجنة لقرارها بعد التصويت عليه.
كل محيط عمل، للفساد بذرة فيه، فالملائكة لا تعيش على الأرض، تلك حقيقة يجب أن يعرفها كل متعاطي الكرة السعودية الذين أفاقوا على قرارات صارمة من مؤسسة الرياضة حاولت بها أن تنتزع البذرة من التربة حتى لا تمتد أغصانها وتتكون ثمارها مفسدة المحصول كله، ليست الكرة السعودية وحدها التي عانت قضايا التلاعب بنتائج المباريات، قبلها كانت إيطاليا والبرازيل وفي القضيتين تولت الحكومة التحقيق وليس اتحاد الكرة، لإن البذرة الفاسدة لا تعالج إلا بالبتر. نقلا عن الاقتصادية

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up